أكيد!




بحلم وبهرب للخيال



للحب للخير للجمال



عالم أكيد

هيكون لنا

































كريستوف أجيتون: 2005

عولمة الليبرالية الجديدة









ـ 1 ـ

أزمنة العولمة



 أ ـ نهاية قرن، نهاية ألفية

 لا تزيد المسالة عن أن تكون مسألة تقويم زمني. هذا هو ما قد نعتقده، بمرور عام2000، لدى قراءة عدد المقالات والدراسات –التي يعد البعض منها من ضمن الأكثر جدية، والتي تم نشرها في هذه النهاية للقرن وللألفية. يبدأ ميشيل بود عمله "انقلاب العالم" بدراسة "علامات نهاية عالم". ويقوم بالاستشهاد بانتهاء التجربة السوفييتية، التي شهدها القرن الماضي، بقطيعات كبرى –تبدأ بالستالينية، ويستشهد أيضا بتبدد أوهام العالم الثالث عن تنمية سريعة عقب حصولها على الاستقلال، كما يستشهد بنهاية دورة طويلة من الهيمنة الأوروبية على العالم وبنهاية "المعتقدات العلمانية" و"اتجاه التاريخ" وفكرة المجيء الحتمي للتقدم والعقل ولمجتمع أرقي.

 بيد أن المسألة أكثر جدية من مجرد الرمز لتاريخ يذكر عنه ميشيل بود انه لا قيمة له إلا بالنسبة للعالم المسيحي. وهناك العديد من الحجج يمكن عرضها للتأكيد علي أهمية التحولات الجارية. وأحد تلك الحجج مستمد من ملاحظة الموجة الأخيرة من مضاربات البورصة التي أثرت، في 1999 وفي بداية سنة2000، على أسهم الاقتصاد الجديد وشركات قطاع الانترنت. إن ذلك ليس سوى أحد العناصر التي تؤكد ـ وذلك من خلال موجة من المضاربات تم تسليط الضوء عليها بشدة ـ إن الرأسمالية تدخل طور جديد تماما.

 إن البورصة لهي مسألة هامة وموضوع للدراسة لاسيما بالنظر لما بها من ثروات ولكون الشركات تجد بها مصادر الرأسمال التي تلزمها. إن قيمة الأسهم مرتبطة بعوائدها: أنها النسبة بين الربح وبين سعر السهم. وذلك العائد يقارن بعائد القروض وبالتزامات وسندات الخزينة التي يؤثر تطورها كثيرا على سير البورصات (أسعار الفائدة الشهيرة). وعائد الأسهم ليس المعيار الوحيد الذي يهتم المستثمرين به، فتوقعات ارتفاع الأسعار تعني الكثير بالنسبة لقرارات الشراء والبيع. غير إن هناك علاقة تبقى بين الاثنين، ففي الأماكن الرئيسية التي تدور فيها المضاربات تتراوح النسبة بين السعر والفائدة بين 15 و25. وفي بداية سنة 2000، كانت هذه النسبة، بالنسبة لأسهم الانترنت، قد تجاوزت المائة وكانت قد وصلت إلى الخمسمائة بالنسبة للشركات الكبرى. وفيما يخص الشركات الناشئة حديثا، والتي لم يحصد معظمها إلا خسائر، كانت النسبة بين سعر السهم والفائدة بلا أي دلالة. غير أن ثمة مؤشرات أخرى تسمح بالحكم على مستوي موجة المضاربات: النسبة بين معدل الرسملة بالبورصة وبين "رقم الأعمال". الرقم الذي إذا كان قد بلغ1 بالنسبة لسويز لايونيز أو0،7 بالنسبة لAXA أو حتى 0،3 بالنسبة لرينولت، فقد كان يمكنه الارتفاع حتى 100 بالنسبة لسيسكو المؤسس الرئيسي للبنية التحتية للانترنت وحتى 500 بالنسبة ل Terra network الشركة الجديدة التي جمعت أنشطة الانترنت الخاصة بشركة الاتصالات الأسبانية "تليفونيكا" النظير الأسباني لشركة "فرانس تيليكوم" الفرنسية.

 لا يوجد إلا القليل من الأمثلة لتلك الإرتفاعات في معدل المضاربات بمثل تلك الحالة والتي تمتعت بقوة جعلتها لا تتأثر بتحذيرات سلطات البورصة المتكررة. وجاءت تلك الارتفاعات بلا شك قبل حدوث التراجع الحتمي والانخفاض في الأسعار، وهوتعرفه البورصات اليوم جيدا لا سيما في قطاع الاقتصاد الجديد.

 لقد عرف التاريخ الاقتصادي لحظات مشابهة، فقد كانت نفس الحالة موجودة لكن في إطار أضيق، بدءا من موجة المضاربة التي أثرت بشدة على أسهم الراديو، إلى الولايات المتحدة في العشرينيات، وإلى الفترة التي تكاثرت فيها شبكات البث، لكن ذلك يمثل بشكل خاص حال موجتين من موجات المضاربة بالبورصة، حيث أثرت الموجة الأولى على بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر والثانية على الولايات المتحدة في منعطف القرن العشرين. لقد كان الأمر يتعلق في المثال الأول بأسهم السكك الحديدية والتي جري نموها بمعدل متسارع. أما في المثال الثاني، فقد تعلق الأمر بالشركات التي كان الشعار الذي يتصدرها هو كلمة "موتورز"، وهي الشركات التي اندفعت في مغامرة صناعة الطيران وبشكل خاص في صناعة السيارات.

 إن هذه الأمثلة مثيرة للاهتمام بما تعلمنا إياه عن موجات المضاربات. كانت تغييرات أسعار الاوراق المالية في مثل يومنا هذا عنيفة للغاية. حدثت أزمة 1929 في أسهم الراديو، وهي الأزمة الكبرى بالبورصة والتي أعقبها ركود في أسهم السكك الحديدية. واستمر ذلك التغير لوقت أطول بالنسبة لقطاع السيارات، حيث احتاج إلى قرن من الزمان لكي لا يتبقى سوي ثلاث من تلك "الشركات الحديثة" هيفورد وكريسلر وجنرال موتورز.

 من المثير للدهشة كذلك مراقبة تأثير تلك التحولات التي صاحبت تلك المنعطفات التاريخية وبوجه خاص التحولات الأكثر أهمية منها، على غرار إنشاء شبكة للسكك الحديدية في منتصف القرن التاسع عشر، ومولد صناعة السيارات في منعطف القرن العشرين، وظهور صناعة الانترنت في بداية القرن الحادي والعشرين. يبدأ ظهور تلك التقنيات ـ على غرار موجة مضاربات البورصة، في الحالات الثلاث، بالبلدان المستعمرة بكسر الميم في المنظومة العالمية، ويبدأ انتشارها بالأماكن الأكثر تقدما بالكوكب. ومست هذه التحولات، أوهذه الثورات إذا جاز القول، عمليات الإنتاج وقطاعات النمو بالاقتصاديات المهيمنة، بل ومست أيضا أنماط حياة السكان وذلك أولا في البلدان الأكثر تقدما. وانقلبت بالمثل مفاهيم الشعوب على اثر ذلك، فقد كان المفروض أن تؤدي السكك الحديدية والإنترنت إلى تقريب للأشخاص وتوحيد الهموم. تأثر أيضا تنظيم الشركات والعمل بذلك، وكانت صناعة السيارات هي أصل تعميم "التيلورية". أما من جهة الاقتصاد الجديد، فقد زادت فيه الميول إلى عدم الاستقرار في العمل وإلى العمل المؤقت.

 هذا الالتفاف الذي قمنا به في التحليل، عن طريق تحليل مضاربات البورصة، ليس سوي أحد الطرق. فبطرق أخري قد يمكننا التوصل لاستنتاجات مماثلة: لقد التحقت الرأسمالية بدورة جديدة وبنظام جديد للعمل أو بنظام "جديد للتراكم" لو أردنا استخدام صيغة فرنسوا شينيه. إن قيام مثل هذا النظام بشكل متسع ليس أمرا مؤكدا. وفقا رؤية لروبرت بوير ـ الذي يعترف مع ذلك بأن" عمليات التنظيم السيئة بمقدورها طرد الجيدة"، لم يتم فرض "نظام النمو المستند للتحول على المالية" بشكل حقيقي إلا في الولايات المتحدة وفي بريطانيا العظمي. ويمثل استقرار مثل ذلك النظام مظهر هام لفهم انطلاق عمليات التعبئة ضد العولمة الليبرالية، ذلك إن هذا الاستقرار دائما محل شك، بل إن كل من فرنسوا شينيه وروبرت بوير يبرهن على العكس.