الخطوة عذاب ومتاهة
والحلم أخضر وعجيب
وأنا كل ما أقول التوبة
ترميني المكاتيب
إعادة تنظيم العالم بدءا من حرب الخليج
أ- إعادة تنظيم العالم
إذا كان انهيار حائط برلين وانهيار نظم أوروبا الشرقية يمثلان، دون شك، علامة على نهاية الحرب الباردة ونهاية ذلك الإطار الذي كانت تؤدي إلىه تلك المجابهة، فإن إعادة تنظيم العالم قد بدت، مع نهاية الثمانينيات، بمثابة أرضية مفتوحة. إن آمال المناضلين الديموقراطيين بأوروبا الشرقية، وهم الذين كانوا يحلمون بطريقا ثالثة أو باشتراكية ديموقراطية وإدارة ذاتية، لسوف تتلاشى على الفور أمام توق السكان إلى الاستهلاك. السكان الذين تم تخديرهم عبر أربعون عاما من الاشتراكية البيروقراطية. وبالنسبة لمن ينتمون لألمانيا الشرقية، فسوف تنهارآمالهم أمام الوحدة الألمانية التي تمت تحت مظلة ألمانيا الغربية. لقد استمرت رؤية العالم متعدد الأقطاب لفترة أطول قليلا من تلك الآمال. تزامن تفكك الاتحاد السوفييتي مع مفهوم "التراجع الأمريكي". وكانت إعادة توحيد ألمانيا والخطوة إلى الأمام المتمثلة في العملة الموحدة، العلامة على صعود قوة الإتحاد الأوروبي. كانت اليابان في ذروة توسعها الاقتصادي، وكان نجاح النمور الآسيوية (سنغافورة وهونج كونج وكوريا الجنوبية وتايوان) يسمح للعديد من المعلقين بتشخيص الوضع بصفته انتقال لمركز الثقل العالمي نحو المحيط الهادي.
تمثل حرب الخليج نهاية الأوهام حول إمكانيات قيام عالما متعدد الأقطاب.
ويكشف ذلك الصراع حقيقة موازين القوى التي لا يمكن تلخيصها في مجرد معدلات زيادة الناتج المحلي الإجمالى:" ليس بمقدور أي قوة، بخلاف الولايات المتحدة، أن تدعى قدرتها على المنافسة في المجالات الأربعة الرئيسية التي تصنع قوة شاملة(المجال العسكري والمجال الاقتصادي والمجال التكنولوجي والمجال الثقافي).
أن ذلك الصراع يجعل القرارات الأمريكية الماضية ذات معنى: " لم يكن من الممكن استعادة حرية الفعل التي أثبتتها حرب الخليج دون حدوث ما يشبه نصرا علي الإتحاد السوفييتي، كما لم يكن من الممكن تحقيق ذلك النصر إلا بما يماثل استراتيجية. هكذا، تكتسب الممارسة الواقعية، بالنظر للماضي وبالنظر لنتائجها، شكل متماسك كان تخفيه تطوراتها المتخبطة.
غير أن ذلك الصراع سوف يسمح بشكل خاص بعودة واضحة للقوة الأمريكية، كما سيسمح باستغلال تلك الحقيقة في القيادة العملية لشئون العالم سياسية كانت أو اقتصادية.
غير أن وتيرة الأحداث لن تتباطأ. فدول الخليج سوف تدفع فاتورة الحرب بمساعدة اليابان، وستوقع مع الولايات المتحدة سلسلة من الاتفاقيات الأمنية التي ستضع المنطقة، التي تمثل مخزنا عالميا للبترول، تحت الوصاية الأمريكية. غير أن الولايات المتحدة ستعتمد بشكل خاص علي زعامتها العسكرية والسياسية لتعيد إنعاش اقتصادها. وبالطبع، كانت صناعة التسليح هي المستفيد الأول. فالممالك النفطية ستحصل علي الفور علي تجهيزات عسكرية "صنعت في أمريكا".
وبشكل موازي، بدأت الضغوط الرامية لفتح الأسواق في القطاعات التي يمكن للاقتصاد الأمريكي أن يكون مصدرا فيها: الزراعة وبوجه خاص كل الصناعات ذات الصلة ب"مجتمع المعلومات".
إن ذلك النموذج من القطاعات الاقتصادية يعلمنا الكثير، فقد كان ذلك المفهوم في حد ذاته إنتاجا إيديولوجيا خالصا، وكان أحد أهدافه تسهيل عمليات التصدير الأمريكية. وتحت ذلك الشعار، تمت تعبئة ثلاث قطاعات رئيسية من الاقتصاد الأمريكي وهي قطاع الاتصالات التليفونية وقطاع الصناعة المعلوماتية وقطاع صناعة "المرئي/ المسموع"التي تضم التليفزيون والسينما. لقد تمت تعبئة تلك القطاعات خلف النموذج التإلى:"عمر جديد للإنسانية"النموذج الذي كان تنفيذه يجب أن يبدأ عبر عمليات الخصخصة وفتح الأسواق!
وتم في يناير عقد اجتماعا استثنائيا للسبعة الكبار G ـ 7 في بروكسل، حول ذلك الموضوع فقط. وكان الجميع مصطفون حول قائمة المطالب الأمريكية، بدءا بالدول الأكثر ثراء.
تم فتح قطاع الاتصالات التليفونية بالاتحاد الأوروبي للمنافسة الكلية منذ عام 1997، في نفس الوقت الذي كان يتم فيه خصخصة شركات القطاع العامLes opérateurs publiques. واحتذت إلىابان الخطوات نفسها مع الإبقاء علي عدد ما من الإجراءات الحمائية، ثم تلاها الكوكب بأكمله عن طريق توصيات صندوق النقد الدولي المنوطة بإقناع المتحفظين.
والاتصالات التليفونية التي تنتمي إلى الشركات التي كانت ثمة توصيات بخصخصتها. في 1997، وصلت تلك العملية، في أطار منظمة التجارة العالمية، إلى أتفاق خاص بالاتصالات التليفونية، اتفاقا يفرض فتح الأسواق والاستثمارات.
وفي قطاع صناعة "المرئي/المسموع" حدثت ضغوط مشابهة. أدى فشل الجمعية العمومية لمنظمة التجارة العالمية في سياتل إلى تجميد عملية الانفتاح العام في الأسواق. أما البلدان التي استمرت، على غرار فرنسا، في تقديم المساعدات للإنتاج السينمائي فتعاني اليوم من العزلة الشديدة.
أما فيما يتعلق بالصناعة المعلوماتية وبوجه خاص صناعة "اللوجيسيال"Logiciel ذات الربح الأكبر علي المدى البعيد، فهي الآن تحت الرقابة شبه القصرية للمؤسسات الأمريكية الكبرى التي تتصارع اليوم لتوسيع مجال نشاطها بشكل يسمح لها بضم صناعات ال"لوجيسيال" لمجالها.
بعد ذلك بعشر سنوات، سيفسح مصطلح "مجتمع المعلومات، المكان ليحل محله مصطلح "الاقتصاد الجديد"، لكن الاتصالات التليفونية وصناعة المعلومات وبشكل أقل صناعة "المرئي/ المسموع"، هي الصناعات التي شكلت أساسا لشركات قطاع الانترنت وبشكل خاص في طور التوسع، المميز بطوله، والذي شهدته الرأسمالية الأمريكية.
ثمة أسباب أخرى تسمح بتفسير نمو الاقتصاد الأمريكي في تلك السنوات العشر بعد حرب الخليج: عودة الدورة بعد التراجع في فترة 1990/1992، وتوائم الرأسمالية الأنجلوسكسونية مع الصعود القوي للرأسمال المإلى وهكذا.
ومن بين تلك الأسباب، لا ينبغي التقليل من شأن آثار عودة التأكيد الكاسح علي الهيمنة العسكرية والسياسية للولايات المتحدة.
أن التوافق بين الهيمنة القصرية للقوة العظمى الأمريكية والحالة المتغطرسة التي يتمتع بها اقتصادها، في ظل عالم في ذروة تحوله، لسوف يسفر عن نتائج متسلسلة.
النتيجة الأولى –وسوف نعود إليها ـ ستكون الإسراع في أقامة نظام إنتاجي جديد، ودورة جديدة من التراكم ذا الهيمنة المالية: وذلك بسبب ضغط الرأسمال المالى علي كافة دوائر الاقتصاد العالمي، لكن أيضا من خلال المزية التنافسية إلى تتمتع بها الرأسمالية الأنجلوسكسونية في مواجهة منافسيها الرئيسيين الألمان واليابانيين الذين يمرون بمرحلة ركود في فترة التسعينيات.
كريستوف أجيتون